کد مطلب:241023 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:138

المسکنة مفتاح البؤس
روی المجلسی من كلمات الرضا علیه السلام الحكمیة: «المسكنة مفتاح البؤس» [1] .

ما هی المسكنة؟

قال تعالی: «إنما الصدقت للفقراء و المسكین...». [2] هل الفقیر و المسكین مترادفان، أم متغایران؟

قال صاحب الجواهر طاب ثراه: الأصح أنهما متغایران لنص أهل اللغة و صحیحة أبی بصیر عن أبی عبدالله علیه السلام: «الفقیر: الذی لایسأل الناس، و المسكین أجهد منه». [3] و لاثمرة مهمة فی تحقیق ذلك للاتفاق علی استحقاقهما من الزكاة حیث ذكرا، أو دخول أحدهما تحت الآخر حیث یذكر أحدهما، و إنما تظهر الفائدة نادرا فیما لونذر أو وقف، أو أوصی لأسوئهما حالا، فإن الآخر لایدخل فیه بخلاف العكس [4] .

و علی القول بالتغایر قال غیره: و هو المحكی عن ابن سكیت و ابن درید و ابن قتیبة و أبی عبیدة و یونس الفراء، و تغلب و أبی إسحاق و یعقوب، و الأصمعی فی أحد النقلین، قال: یونس: «قلت لأعرابی: أفقیر أنت؟ قال: لاو الله و لكن مسكین» [5] .

و لصاحب الجواهر ما یخالف قوله الأول، قال:

و التحقیق بعد إعطاء التأمل حقه أنه لاریب فی صدق الفقیر علی المسكین و لو الفرد الأدنی منه عرفا و الأصل عدم النقل و التغیر، و أما المسكین فهو مأخود من المسكنة بمعنی الذلة فحیث یستعمل فی غیر الغنی یراد منه تمام مصداق الفقیر... [6] .



[ صفحه 431]



و من عطف المسكنة علی الذلة فی قوله تعالی: «و ضربت علیهم الذلة و المسكنة». [7] یفهم التغایر و عدم أخذ المسكنة من الذلة، نعم الذلة أعم من المسكنة و یجمعهما الخضوع لغة و تفترق عن الذلة بالفقر و العدم.

قوله علیه السلام: «المسكنة مفتاح البؤس» البؤس: الفقر و الحال السیئة و المناسبة به المعنی الثانی و ربما المسكنة تفضی بصاحبها إلی الكفر و أی حال أسوء من الكفر و هو معنی الحدیث النبوی: «كاد الفقرا أن یكون كفرا» [8] .

و الآخر «اللهم إنی أعوذبك من الكفر و الفقر، فقال رجل: أیعدلان؟ قال: نعم» [9] .

قال المجلسی: توضیح: هذه الروایة من المشهورات بین الخاصة و العامة، و فیها ذم عظیم للفقر، و یعارضها الأخبار السابقة و ما روی عن النبی - صلی الله علیه و آله -: «الفقر فخری و به أفتخر» و قوله - صلی الله علیه و آله -: «اللهم أحینی مسكینا، و أمتنی مسكینا، و احشرنی فی زمرة المساكین«و یؤید هذه الروایة مارواه العامة عنه - صلی الله علیه و آله -: «الفقر سواد الوجه فی الدارین» و قد قیل فی الجمع بینها وجوه:

قال الراغب فی المفردات: الفقیر یستعمل علی أربعة أوجه:

الأول: وجود الحاجة الضروریة، و ذلك عام للإنسان مادام فی دار الدنیا بل عام للموجودات كلها، و علی هذا قوله عزوجل، «یأیها الناس أنتم الفقراء إلی الله و الله هو الغنی الحمید» [10] و إلی هذا الفقر أشار بقوله فی وصف الإنسان: «و ما جعلنهم جسدا لایأكلون الطعام» [11] .

و الثانی: عدم المقتنیات و هو المذكور فی قوله: «للفقراء الذین أحصروا فی سبیل الله - الی قوله -: یحسبهم الجاهل أغنیاء من التعفف». [12] و «إنما الصدقت للفقراء و المسكین». [13] .



[ صفحه 432]



الثالث: فقر النفس و هو الشهر المعنی بقوله: - صلی الله علیه و آله -: «كاد الفقرأن یكون كفرا» و هو المقابل بقوله: «الغنی غنی النفس»، و المعنی بقولهم: «من عدم القناعة لم یفده المال غنی».

الرابع: الفقر إلی الله المشار إلیه بقوله: «اللهم أغننی بالافتقار إلیك، و لا تفقرنی بالاستغناء عنك»، و إیاه عنی تعالی بقوله: «رب إنی أنزلت إلی من خیر فقیر». [14] و بهذا ألم الشاعر فقال:



و یعجبنی فقری إلیك و لم یكن

لیعجبنی لولا محبتك الفقر



... انتهی و هذا أحسن ما قیل فی المقام، و منهم من حمل سواد الوجه علی المدح أی: إنه كالخال الذی علی وجه المحبوب فإنه یزینه و لایشینه... [15] .

و إلیك بعض ما قیل فی ذم الفقر و مدحه، و ذم الغنی و مدحه من مثل و حكمة:

(ذم الفقر)

«الفقر مجمع العیوب»، «الفقر كنز البلاء»، «القلة ذلة»، «الفاقة الموت الأحمر»، «كاد الفقر یكون كفرا»، «لا فاقة كالفقر»، «الفقیر مذل مبتذل»، «لا أدری أیهما أمر؛ موت الغنی أم حیاة الفقیر؟!»،



إذا قل مال المرء قل حیاؤه

و ضاقت علیه أرضه و سماؤه



و لم أربعد الدین خیرا من الغنی

و لم أربعد الكفر شرا من الفقر



«یرتضع من الدهر ثدی عقیم، و یركب من الفقر ظهر بهیم«، «لو بلغ الرزق فاه لولاه قفاه»، «جاء بوجه قد غیر فیه الفقر، و انتزف ماءه الدهر»، «لا یملك غیر الجلدة بردة، و لایلتقی لحیاه رعدة»، «قد أحلت له الضرورة ما حرم الله علیه»، «حی كمیت، و فی بیت بلابیت»، «لیس معه عقد علی نقد» - أی بیعه و شراؤه بغیر ثمن حاضر -، «غداؤه الخوی [الجوی] ، و عشاؤه الطوی»، «فلان سرواله فی زیقه» أی أن الحاجة و الجهد أحوجاه إلی أن رقع قمیصه بسرواله. [16] .



[ صفحه 433]



(مدح الفقر)

«الفقر شعار الصالحین»، «الفقیر مخفف، و الغنی مثقل»، «الفقیر أقل عدوا من الغنی»، «إن من العصمة أن لاتجد»، أی لایجد ما یعصی الله به -، «الصبر علی الفقر یعدل الجهاد فی سبیل الله».



ألم تر أن الفقر یرجی له الغنی

و أن الغنی یخشی علیه من الفقر



من شرف الفقر و من فضله

علی الغنی لو صح منك النظر



أنك تعصی الله تبغی الغنی

و لست تعصی الله كفی تفتقر [17] .



(مدح الغنی و المال)

لو لم یكن الغنی إلا أنه من صفات الله تعالی لكفی به فضلا.

- إن الغنی طویل الذیل میاس -

استغن أومت. قد شرف الوضیع بالمال.

- إن الحبیب إلی الإخوان ذومال -

المال فی الغربة وطن، والفقر فی الوطن غربة.



كل النداء إذا نادیت یخذلنی

إلا ندائی إذا نادیت یا مالی [18] .



(ذم الغنی و المال)

قال تعالی: «إن الإنسن لیطغی - أن رءاه استغنی». [19] «الغنی یورث البطر»، «رب نعل شر من الحفا»، «غنی النفس أفضل من غنی المال».



غنی النفس لمن یعقل خیر من غنی المال

و فضل الناس فی الأنفس لیس الفضل فی الحال



«الغنی غنی القلب لاغنی المال»، «قد یكون مال المرء سبب حتفه، كما أن الطاووس قد یذبح لحسن ریشه»... [20] .

فلیختر العبد ما اختاره الله عزوجل له من فقر و غنی، و صحة و مرض فی كل شی ء و لیعلم أن ذلك كان خیرا ففی صادقی «یا فضیل إن المؤمن لو أصبح له ما بین



[ صفحه 434]



المشرق و المغرب كان ذلك خیرا و لو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خیرا له؛ إن الله لایفعل بالمؤمن إلا ما هو خیر له...». [21] .



[ صفحه 435]




[1] البحار 353:78.

[2] التوبة: 60.

[3] الوسائل 144:6، و آخرها: «و البائس أجهدهم».

[4] الجواهر 297:15.

[5] المصدر ص 298.

[6] المصدر ص 299 - 298.

[7] البقرة: 61.

[8] البحار 29:72، و الأمثال النبوية 36:2، رقم 363، حرف الكاف مع الألف.

[9] كنز العمال 492:6، رقم الحديث 16687.

[10] فاطر: 15.

[11] الأنبياء: 8.

[12] البقرة: 273.

[13] البراءة: 60.

[14] القصص: 24.

[15] البحار 31 - 30/72.

[16] التمثيل و المحاضرة 396 - 395.

[17] التمثيل و المحاضرة 394.

[18] التمثيل و المحاضرة 392.

[19] العلق: 7 - 6.

[20] التمثيل 394 - 393.

[21] أصول الكافي 246:2.

و لاخفي أن كل ما ذكرناه علي غرار الحديث الرضوي: «المسكنة مفتاح البؤس» علي نسخة البحار الموجودة 353:78، و في ص 356، و في الدرة الباهرة: «المسألة مفتاح البؤس» الدرة 37. و السائل و إن كان الأغلب هو المسكين إلا أن للمسألة شرحا آخر.